Saturday 31 August 2013

مكتبة كبيرة/ حوض أستحمام لطيف/ ظل أباجورة على سقف الغرفة

لم يعد للكلام معنى, لم يعد للصمت معنى. ولا راحة لي بينهم. كلما أنفرجت شفتاي لتتحدث عما بداخلي أعجز عن إيجاد الكلمات المناسبة و في نفس الوقت صمتي يؤذيني. أنا عدوتي اللدودة. أنا أكثر شخص يستطيع إيذائي ولا يرحمني. أشعر بجميع أجزاء جسدي تتمرد علي. صمت مريب في رأسي يرفض أن يحدثني عما بي, فم لا ينبذ ببنت شفة حتى يشرح للآخرين عما أشعر تجاههم. حتى ذريتي التي لم يكتب لها أن تأتي إلى الحياة, ترفض أن تنسل مني في ميعادها الشهري. و كأن جسدي قرر أن يثور علي, قرر أن يحتفظ بكل سمومه لنفسه. يرفض أن يترك أي شيء يخرج مني, ربما لأنه يعلم أنه إذا تركني سأقطعه قطع و أوزعه على الغرباء الذين بيتسمون إليّ في الشارع من دون مناسبة, قطعة لسائق التاكسي اللطيف الذي لم يتصرف معي بفظاظة, و قطعة لذاك الشاب الذي لم يتحرش بي حين مررت به, و قطعة آخرى لقلب شعرت بأساه و لم أستطع فعل أي شيء له سوى أن أعطيه ما تبقى مني. كلما زادت مفرداتي كلما قلت قدرتي عن التعبير, كلما زاد حبي لشخص ما زادت كراهيتي له في نفس الوقت. أكتشفت أنني أحب الجميع و أكرههم بشكل متساوي, مما يعني أنني حقاً لا أشعر بأي شيء تجاه أي شخص. أو بمعنى أصح أسباب حبي لهم تقابلها أسباب كثيرة لكرههم, أو لنكون دقيقين المصطلح هنا هو عدم حبهم و ليس الكره, فأنا لست بالقوة التي يتطلبها الكره. صرت متأهبة للخسارة في أي ساعة. دورة حياة أي شخص معي واحدة, يأتي شخص جديد ليوعد بأشياء كثيرة لا ينوي تنفيذها, التوقعات, خيبات الأمل, البكاء خلف باب الحمام المغلق, نظرات مشحونة التوتر بين عينان تجتاحها الشعيرات الدموية إثر البكاء و شفرة, صوت العقل يعلو و يقول أنا هنا, أنا سأظل معك, أرجوكِ لا تؤذيني, السقوط على أرض الحمام في نوبة بكاء هيستيري, ثم الهدوء التام و الرجوع للحالة الطبيعية بعد تلف قطعة جديدة من القلب
العلاج النفسي بشراء الكتب, قصص مضمونة نهايتها سواء كانت حزينة أو سعيدة نهايتها واحدة, لن تستيقظ يوماً لتجد روايتك المفضلة قررت ترك مكتبتك لمكتبة أخرى لسيت هيستيرية أو درامية مثل مكتبتك, لن تخبىء سطورها عنك و ترفض أن تقول ما بها و لن تمل منك مهما قرأتها. الكتب طيبة و ستتقبل حبي للتملك بصدر رحب. نعم, سأوفر طاقاتي المهدورة على البشر و أستهلكها في إحدى روايات كونديرا أو تولستوي. سأطرد جميع من أحب من حياتي و أستبدلهم بشخصيات رواياتي المفضلة. سأستبدل قصة حبي التي دامت أربع سنوات و فشلت لأسباب خارجة عن إرادتي بتسعمائة صفحة و يزيد كتبهم تولستوي عن أنا كارنينا, أما صديقتي المفضلة سيحل محلها مذكرات أنايس نين علها تتعلم أنها لا تستطيع أن تنقذ الناس من أنفسهم سوى بالحُب. أن تحبهم محبة غير مشروطة. سأشبع رغباتي الجنسية بتخيلات أضاجع فيها ميلان كونديرا و أوعده أن أحتفظ بعلاقتنا كـسر ثم سأكتب عنها رواية ستتصدر قائمات الكتب الأكثر مبيعاً و سيسامحني لأنه يعلم أنني كـسابينا, أخون و أكذب و أرحل عن من أحب في محاولة مني للوصول للخفة الغير المحتملة لأن عظامي تحطمت مراراً تحت ثقل قلبي كـتيريزا. نعم, مكتبة عملاقة هي ما أحتاج
   
حوض أستحمام يبدو كفكرة جيدة أيضاً. لطالما كان حوض الإستحمام أو المياه بشكل عام هي أول ما الجأ إليه حين أشعر بالوحدة, أستلقي في حوض الأستحمام لتحتضني المياه و تحاوطني من كل إتجاه لتقول لي: لستِ وحدك. أو قطرات مياه تتساقط من الدش لتطبع قبلات حانية علي ظهري و أكتافي لتعوضني عن إشتياقي لحب مضى أو لم يأتي بعد, لا أتذكر. 

زجاجة خمر, لا أذكر نوعها و سيجارة بالنعناع و كتاب لـهاروكي موراكامي يحكي لي عن قطط تتحدث و تخشى جوني واكر لأنه يقطع رؤوسهم و يسرق أرواحهم لصناعة بوق ما, أشعر بالخدر يسري في أعصابي, يسفط الكوب من يدي, حرق في يدي أرجح أنه بسبب السيجارة التي تطفو الآن في حوض الإستحمام معي و صوت كاميليا جبران و هي تسأل أين تنتهي الظلمات و أين يبدأ النور, السؤال الذي نبهني أن أفتح عيني لأجد المياه تغطيني و رئتاي أمتلئت غرق

شهيق غاضب و زفير مخيب للآمال

 إدمان الألم بشكل العام لأنه أصبح الشيء الوحيد الذي يذكرني أنني على قيد الحياة

جسد مليء بالأسي, قلب مليء بالحب و روح مهترئة. لا أستطيع أن أتنفس بملىء رئتاي, شيء ما يمنعني. ركن غرفة أنزوي فيه في الظلام محدقة بدائرة على السقف يخلقها ظل أباجورة جلبتها صديقة لي.أشعر بأن تلك الدائرة هي المكان الوحيد الذي يقبل بي. فيها أكسرني لأعيد ترتيبي لأصير أقوى 

كوب قهوة أنسكب نصفه على ما تبقى منك فيّ. أكره مرارة القهوة و لكن شكل حبوبها أنيق, أتذكر أن حمالة الصدر السوداء التي ألبسها رغم أنها تؤلمني لأنها تجعل شكل ثديي أجمل تحت الملابس, و علامة على كل قدم إثر أرتداء أحذية غير مريحة لنصير أجمل في عيون رجال يسخرون من طموحنا
 
فيروز تغني: صباح و مسا, شي ما بينتسي, تركت الحُب و أخدت الأسى في بيت الدين

أنتهى