Saturday 2 November 2013

جفنُه علم الغزل

أكاد أجزم اني أشعر بالحنين يتسرب من مسام جلدي. يتخلص البشر من سمومهم على شكل ماء و ملح يخرج من مسامهم, أما أنا فسمومي يفوح منها عبق النوستالجيا. موجة إشتياق غريبة تجتاحنى. أشتاق لأبي و لصديقة طفولتي التي فضلت ألا أتصل بها و أطلب أن أراها لنحكي عما مررنا به خلال الأربع سنوات الأخيرة. أشتاق لأول شخص أعجبت به و أريد أن أبحث عنه لأسأله عن حاله. لأول حبيب حقيقي. لتلعثم أول قبلة و فراشات أول لمسة. لأول كسرة قلب التي تغير بعدها الحال. لثـاني كسرة قلب, التي لم تك بنفس القوة و لكنهم تشابهوا في نفس طعم المرارة. أريد أن أجمعهم كلهم في ضمة كبيرة و أقول كل ما لم يسمح لي الوقت بقوله, لأسامح بعضهم و أعاتب بعضهم و أطلب السماح من بقيتهم
أنا ممتنة لكل ما حدث قبل هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه الحروف. لكل شخص ساعدني للوصول إلي هذه المرحلة سواء بضرر أو بنفع. لم أعد غاضبة أو ناقمة على الحياة, بالعكس, الهدوء التام يسري في دمي, لم أعد أتسائل لماذا يحدث معي هذا أو ذاك, بل صرت أتقبل ما يطرأ من تغييرات بنفس راضية أو غير مكترثة, لم أعد أسأل الرب أن يظهر لي نفسه أو يتجلى لي بأي شكل, ربما بمسحة على رأسي أو بنسمة باردة ينفخها في صدري المتأجج بتنهيدات لا أطلقها خارجه
لم أعد أرغب في أن أسأله كيف واتته القدرة أن يتركني و يرحل بهذه البساطة أو أسألها لم تختار الفراغ كل مرة و تفضله عني, لم أخسر أنا أمام أي شيء يوضع أمامها, أستسلمت أو أذعنت لأي شيء يحدث أو قد يحدث, لأني أعلم الآن أني قادرة على تخطي أي شيء, علمني هو ذلك, و أعلم أني قادرة على خسارة أي أحد, و هذا درس علمتني هي إياه و لم و لن أنساه, علمتني كيف تحب شخص و الا تريده مع ذلك. أن تجلس أمام شخص ما, كان يعني العالم لك, ولا تشعر بأنك تريد أن تمد ذراعيك و تحتضنه, أن تكون على وشك أن تموت من العطش, و لا تمد يدك لتشرب من ذلك الكوب المغري أمامك, لأنك تعرف أن كل ما به سموم, سموم تجرعتها بكل رضا فيما سبق, و لكنها سموم لا تروي عطش ولا حتى تقتل, هي فقط تؤلمك لدرجة تجعلك مستعد أن تلقي نفسك من فوق أعلى مبني تعرفه لتسقط في الجحيم مع نيتشه و آمي واينهاوس. لم أعد أريد أن أعرف لم يستمر كل من أحبهم في خذلاني بشكل مفرط, و ما يحيرني أكثر هو قلبي, الصلب كالحجارة و غض كوجنتي طفل في آن واحد. ففي نفس الوقت الذي أريد فيه إعتزال الحياة و أن أدفع مكل من حولي بعيداً , روحي مسالمة كعيون من أحرص ألا أكتب عنها هنا أو في أي مكان. كلما وجدت نفسي في حاجة إلى أن أكتب عنها أستعيض بالكتابة لها, دون أن أريها معظم ما أكتبه, لأني لا أريد أن أقترب أو أتورط أكثر من ذلك
خطى ثابتة نحو البنات الجميلات, اللائي لا حول لهن ولا قوة حين يقعن في غرام أحدهم, ذوات الشعر المجعد و الناعم, ذوات القلوب المحطمة و القلوب التي تتوق إلي أن تتحطم, من يعرفن قيمتهن منهن و من لا يعرفن, الناعمات كالموسيقى الكلاسيكية و تفوح منهن رائحة الشمبانيا و التوت البري, هن فقط و طبقاتهن و تغيراتهن المزاجية, يستطعن أن يخرجن مني كل ما بي من حُب, حب نقي عذري, لا يرى جسد بل يرى خلاله, يرى الروح التي يحتجزها ذاك الجسد الجميل, و هذا السبب الرئيسي في أني أخطو خطي ثابتة في نفس الوقت في الإتجاه المعاكس, نحوهم هُم, الصبيان الوسيمون, ذوي الطبقة الواحدة, الشفافون كالمياه, الأغبياء لأنهم دائماً يعتقدون بأنهم الأذكى, من يرون الجسد و يعانون في تعرية الروح, من يوقظون شياطين الشهوة بداخلي, من يحررون جسدي من روحه, و يسكتون الأصوات التي تتحدث داخل رأسي طوال الوقت بقُبلة تقطع حبل أفكاري, هم, من أحبهم بقدر ما أكرههم بالضبط

أما أنتِ يا عزيزة القلب,   لم أخبرك بأني أكره الكتابة عنك, لسبب بسيط, أن أي كاتب قادر على إبتذال أي شخص في حياته و تحويله إلي قصة من حبر و ورق, سطور و حروف تكتب  و تقرأ مرات عدة حتى تفقد معناها, أريد أن أحتفظ بقصتك على هيئة مشاعر و أفكار لا أقدر أن أشاركها معك بالرغم من أني أعلم بأنكِ تحبين أن أحكي لك كل شيء.
 كلكِ جميل و ليس فيكي عيبة. أنا واقعة في غرام كل تفصيل بسيط فيكِ, بدءاَ من رائحة عطرك الهاديء مثلك, حتى كل إيماءة صغيرة تبدر منكِ, إبتسامتك, اللمعة التي أراها في عينك حين تنظرين إليّ, العلامات التي تركتها الأحذية في قدمك على مر السنين, لمسة يدك, الطريقة التي تنتهزين فيها أي فرصة لتختبئي في حضوري و تقتربي, آاه على المرات التي تسرقين أنفاسي فيها بكلمة تقوليها أو بلفتة بسيطة منك
القلب قد أضناه عشق الجمال يا أجملهن, و الصدر قد ضاق بكل ما لا يقال, و لكني أعرف أنكِ تعرفينه بالرغم من إني لا أعلم تحديداً ما أريد أن أقوله لك, و لكنك تعرفينه بطريقة أو بأخرى, قُربك في المرة الأخيرة التي رأيتك فيها أثار الرهبة في نفسي, وجدت نفسي لوهلة عاجزة عن النطق و الحركة, و كأني أصبحت في حضرة الجميل المُحب للجمال. أردت أن ألملم كل كينونتي و أضعها في راحة يديكِ, أو أن أختبيء بين أصابعك, أردت أن أفتح يدك التي تحكمين قبضتها دائماً و كأنك على وشك دخول معركة لأتسرب بداخلها في هدوء, أردت أن أخبرك كم كنتِ جميلة و لكني أعلم أنكِ كالعادة لن تصدقينني, حتى لو حلفت لكِ, وحياة كونديرا, الذي يعرفني أكثر من نفسي, بأنك كنتِ أجمل من اللحن الذي غنى به علي الحجار, جفنه علم الغزل, و الذي يشعرني برغبة مفاجئة في السقوط على ركبتي و البكاء من نشوة جماله. سامحيني يا حبيبة, لو تعديت حدودي, و قُلت ما يخالف قانون المنطقة الغير المعرفة التي لا أنوي تعريفها معكِ, لأني لم أفيق بعد من التعريف الذي سبقك, و لكن إن حدث, و خرجت منه, فكل ما لدي لأقوله, هو, إن عشقنا فعُذرنا, أن في وجهنا نظر