Sunday 6 January 2013

أعتراف

فى هذه اللحظة بالذات لا أعلم لم دخلت إلى تلك الكنيسة الهادئة التى لا طالما مررت أمامها فى العشرين عام الذين مضوا و لم يخطر ببالى فكرة دخولها

دخلت و لم يمنعنى الحارس و لم يسألنى إلى أين أنا ذاهبة فقط نظر الىّ نظرة طويلة لأنه لم يتعرف على كأحد رواد تلك الكنيسة و لكنه فضل الصمت و كأنما شعرى المنسدل على كتفي قد طمأنه قليلا لأنه ليس موشح بحجاب . لم أستطع أن أحدد أذا كان ينظر إلى صدرى بحثا عن صليب معلق في رقبتى حتى يطمأن كليا أن هذا هو مكانى أم أنه فقط ينظر إلى ثدياى ذا القوام الجيلاتينى .. لا أكترث له و أمضى فى طريقى إلى الباب. يقابلنى أحد خادمى الكنيسة بإبتسامة متحفزة أحدثه بأقتضاب عن رغبتى فى الأعتراف يسألنى من هو الأب الأعترافى الخاص بى أجاوب بأنى لم يسبق لى الأعتراف لذلك لا أعرف. يطلب منى الجلوس على أحد المقاعد و يذهب و هو ينظر لى نظرة الخاطى الذى يريد التوبة و ربما أنا خاطية بالفعل و لكنى لم أكن هناك لهدف التوبة و لكن فقط أردت أن أتحدث بمنتهى الصراحة لشخص حقيقى و ليس لورقه أو أنعكاسى فى المرآه. أريد أن احكى ما أخجل أن أعترف به لنفسى. سأعترف لرجل دين لست أنا عليه حتى. فأنا لست مسيحية و صحيح فى بطاقتى الشخصية ديانتى مسلمة و لكن لنكون صرحاء لا أستطيع أن أصنف نفسى كمسلمة فى هذه المرحلة التى أمر بها الان . لم أكن ابداً من هواة التصنيفات فأن تصنف نفسك و تندرج تحت تصنيف معين لابد أن تكون على يقين من أنك هذا أو ذاك و اليقين من أحد الأشياء التى ليس لها وجود فى حياتى. لا أتذكر حتى أخر مرة كنت على يقين من شىء فمنذ وقت طويل و الشك يتغذى على خبايا روحى التى لا أعلم حتى أن كان لها وجود أم هى فقط مجموعة من الهرمونات اللعينة التى بسببها أفرح و أحزن و أكتئب حد تمنى الموت الذى أخشاه أكثر من اى شىء. لم أستطع أبدا تقبل فكرة أن الموت هو التحول من وجودنا المادى الى روح تطوف الجو بحرية و سلام . الموت بالنسبة لى هو الأنتهاء و السواد الحالك و المجهول. و كم أخشى المجهول

  أجول بنظرى فى الكنيسة و أنا غير مصدقة كيف أنى لم أفكر بالدخول من قبل , أقع فى غرام الألوان و الزخارف المعمارية فهذه أحدى كنائس هليوبوليس العريقة. أقف لأتأمل مدى الصفاء و الطمأنينة فى وجه العذراء مريم و عيناها المغمضتان فى كل الصور و الرسومات و كأنما صفائها و طمأنينتها سببهما عيناها المغمضة عن قبح العالم و قسوته. أتحرك خطوتين لأقف مباشرة أمام الصليب الكبير المعلق عليه يسوع المسيح . تسرى بجسدى رجفة من محاولتى لتخيل شعوره فى هذه اللحظة , لحظة تعرف فيها أنها ربما تكون أخر لحظاتك و سوف تموت بعدها ميتة شنيعة مؤلمة. أحملق فى وجهه لأدرس تفاصيله البسيطة. وجهة ملىء بالتعبيرات و خالى منها. ترى مشاعر ألم جمة و لكنك لا تستطيع أن تغفل عن شعور الأستسلام الذى يسيطر على وجهه و جسده و كأنه يعرف أنه لا لزوم للمقاومة و أهدار بقايا طاقاته على محاولات للبقاء لن تفلح. أشعر بالشفقة عليه لمجرد تفكيرى بألامه و أتمنى لو كان رفعه الله إلى السماء حقا كما ذكر فى القرآن و لكن هذا معناه فى المسيحية أنه لم يفدينا بنفسه و لم يكفر عن خطية أدم الأولى و بذلك نظل ملعونين من أبانا الذى فى السموات بسبب خطأ جد جد جد جد أجدادنا. أين عدلك يا أبى و أنت تعاقبنى عن خطيئة أبنك الأول. تعاقبنى مرة أولى بطردى من جنتك و مرة ثانية ساعة الحساب يوم الدينونة. تعاقبنى كيف أفنيت حياتى و كيف عشتها و أنا لم أطلب منك أن أعيشها و لم أوافق على أى أتفاق ينص على أنك ستنفخ فى الحياة بشرط أن أعيشها كما تريد أنت. لِم لم تسألنى و تعطنى حق الأختيار لأرفض أن أعيش وفق قوانينك. ربما سألتنى و لكنى كنت طفلة رضيعة لم أستطع الرد. ربما أنت رحيم و عدل و عندك مبرر لكل ما أعيشه الأن و عشته و أنا ظالماك. و ربما أنت ظالم وضعتنى فى متاهة و جلبت بعض الفشار و جلست لتشاهدنى و أنا أدور حول نفسى فيها و تضحك كأنما تشاهد فيلم رومانتيك كوميدى. أشعر بخلايا مخى تنفجر فى رأسى و كأنها تنبهنى أنى عدت إلى المربع صفر و هو الشك

أجلس و كأننى أستريح من أفكارى و أتمنى لو كانت رحلتى من الشك لليقين قصيرة ككتاب مصطفى محمود الذى يحمل نفس الأسم. أسأل نفسى إلى متى سأظل فى هذه الدوامة التى تبتلعنى داخلها رويدا رويدا حينا و تعصف بى أحيانا كإعصار تسونامى فتبتلع كل ما أعرفه و تتركنى فى غربة الشك و المجهول حين اخر. يصل بى الأمر احيانا انى أشك فى وجودى فى هذا المكان فى هذه اللحظة و أشك فى كل ما أشعر نحو بعض الأشياء او الاشخاص الموجودين فى حياتى. هل حقا احب طعم الشوكولاتة ام أنه فقط يعجبنى لأنى اريدها أن تعجبنى و انى اوهم حالى انى احبها ام انها مشيئة الاله ان يعجبنا طعم الشيكولاتة. أأحببت محمد حبيبى الاول حقا ام فقط كنت قد أعتدت على وجوده ؟ هل أنا فعلا أميل للإناث  جنسيا و احبهم كما أحب المذكر بل و احيانا أفضلهم أم هذا فقط نابع من تجاربى السيئة مع الرجال و طريقتهم المبتذلة و تفضيلهم جسدى - الأقل من عادى - عن روحى و تفكيرى و كيانى بأكلمه . جسدى القبيح مقارنة بروحى التى احاول ان اسمو بها بقراءة الكتب و موسيقى موتسارت و كارل اورف. أكنت سأظل اميل لهم لو كنت نشأت فى مجتمع أخر لا تعامل فيه الانثى كثقب يتخلص فيه الرجل من كبته الجنسى  او شعوره بالنقص و الدونية فى حياته عمتا ام انى ما يطلقون عليه بان سيكشوال و هو من يقع بحب الروح و ليس الجسد فيحب الكيان أينما كان سجنه فى رجل او أمرأة .. يال الأحا عدنا للتصنيفات

الفراغ بداخلى يتسع و تزداد رغبتى و حنينى لشعور الأمتلاء فأملاه بالأشخاص و الكتب و الموسيقى و الطعام فيستع أكثر و يزداد سُعره و احتياجه و يطلب المزيد و كأنه يأكلنى أنا من الداخل حتى انتهت روحى فبدأ يأكل فى لحمى و عظامى و يشرب دمى و ينبثق من جرح قديم فى جلدى حتى يملأ كل ما حولى و يحتوينى من الخارج و أصبح أنا بداخل الفراغ . أصبح أنا فراغ داخل فراغ أكبر و لأول مرة أشعر بالأنتماء .. ابتسامة طمأنينة تعلو وجهى لثوان معدودة حتى يدركنى خوفى مرة أخرى. أسأل نفسى لو كان كل هذا فى رأسى فقط و أنى ابحث عن التعقيد و الأمور أسهل من كل هذه التعقيدات التى أعيش فيها و أتعايش معها .. ربما
 
أفيق من غيبوبتى على صوت قس أت مبتسم و يسألنى هل أنا جاهزة للأعتراف. أنظر له لثوان غير مستوعبة و تعلو صوت دقات قلبى و كأنه يدق على طبلة أذنى بوقع غير منتظم ثم أقبل يده و أنا أسحب حقيبة  يدى و أقول : مرة تانية يا أبونا
 و أهرول نحو باب الخروج
           

6 comments:

  1. لا أجد كلمة تصف هذا الشعور.. و لكني أشعر به فعلاً.
    كلنا مفقودين في أنحاء العبث الإلهي

    ReplyDelete
  2. Very mature, you've gone a long way and have taken us with you. Take us with you to other places. Bravo.

    ReplyDelete
  3. حلو أوي حلو فشخ!

    ReplyDelete