Wednesday 19 December 2012

الصمت الذى أصم صاحبه

عزيزتى
تحية طيبة و بعد

أكتب إليكى اليوم عن الصمت. هوايتك المفضلة التى تمارسيها بكل احتراف. إن كان للصمت إله فأنا أرجح انه أنتى. فالصمت يكون ردك على كل شيء. حين تحزنين تصمتين و حين تُقهرين تصمين اما حين تفرحين فعندئذ تصمتين. أنا الأخري أحب الصمت. فالصمت مريح لا يفتح باباُ لنقاشات غير مجدية فالكلام مع الناس ليس احدى هواياتى المفضلة , فما تعلمته من سنواتى الاثنان و عشرون أن الكلام مع الناس ليس سوى أنفاس و أصوات تُهدر ولا تغير أي شيء. فكما نعرف أنا و انتى ان لا احد يستمع لكلامك حتى يفهمك و انما فقط لكى يرد و يفهمك هو ما لا تفهمين. لم أخبرك عن كل مرة فتحت فاهى كى أقول شيئا و تراجعت حتى لا اضطر للخوض فى حديث يصل إلى نهاية مسدودة و لم احكى لكى عن المرات الكثيرة التى اوشكت ان اكتب كومنت لصديق او صديقة على الفايسبوك او تويتر و تراجعت فقط حتى لا اقحم حالى فى محادثة سخيفة نضطر فيها أنا و الطرف الاخر من المحادثة ان ندعى اهتمامنا بما يقوله الاخر و انتى تعلمين كم انا غير مبالية بأى شخص و أى شىء و لذلك افضل السكوت و خصوصا سكوتهم و ليس سكوتى

اما سكوتك انتِ من نوع أخر, فإن كان سكوتهم راحة فسكوتك عذاب. سكوتك مخيف و مظلم و انتِ دائما تتركينى فى عتمة صمتك و تغوصين فى أعماقك غير مكترثة بخوفى و وحدتى بدونك. حتى و انتِ أمام عينى بجسدك و لكن روحك التى اعيش بها و تعيش في تختفى فجأة من أمامى. و قبل أن تقطبى جبينك و تسألينى كيف ارى روحك و هى شىء غير مادى غير محسوس سأقاطعك و أقول انى أراها. نعم يا حبيبة الروح أراها. أراها تحوم حولك طول الوقت منتظرة أن تفتحى شفتيك لتضحكى او تتكلمى لكل تعود إليكى و ما لبثتِ ان تعودى لصمتك و انكسارك حتى تتركك و تتوه منك و اتوه انا

أعلم ان صمتك هو ملجأ راحتك او كما يطلقون عليه فى بلاد الشقراوات " الكمفورت زون " و أنا احترم راحتك و أحب ان تكونى مرتاحة و لكن للصمت اثاره الجانبية مولاتى فقد ترككى صلبة صلدة متبلدة كحجر فى الصحراء الكبرى. فحين اتقنتى الصمت فقدتى قدرتك على الانفعال فأصبح رد فعلك حين أقبلك هو نفس رد فعلك حين أنهرك هو نفس رد فعلك حين تطبخ أمك بط بلدى و انت تكرهيه و هو نفس رد الفعل حين تسمعين بموت الاف فى اعصار فى بلاد الواق الواق. أحيانا بل معظم الوقت اود لو ان اصفعك على خدك الناعم الجميل كى تفيقى من غيبوبة الصمت التى تأخذك منى معظم الأوقات و لكن قطعت يداى قبل ان تمتد على وجهك الذى زينه خالقك بجمال حزين

و من اثاره الجانبية ايضا هو انك تقحمينى في صمت قهرى من دون ان تشعري. فحين تصمتى أفقد رغبتى فى الكلام و تتساقط الكلمات التى ظللت الحنها على احبالى الصوتية قبل ميعادنا إلى حروف و الحروف تتناثر إلى ذرات من العدم فأصمت و أصمت و أصمت . اود ان اعترف بشيء .. أنا أكره الصمت .. نعم اكرهه و خصوصا لو كان معك . احب التحدث اليكى. احب سماع إسمى بصوتك الدافىء المنكسر. اريد ان استمع لتفاصيل يومك الممل و عن ذاك الفيلم الذى شاهدتيه بالأمس و تلك الاغنية التى اردتى ان اسمعها و جاركم السخيف الذى يتطلع إليكى من تحت نظارته " الكعب كوباية " و انت تخرجين القمامة و الذى حلفت ان اهشم وجهه حينما اراه. حسنا كذبت مرة ثانية لن اهشم وجهه و لكنى سأرمقه بنظرة قوية " تعرفه ان الله حق "و عن مشاكل ابيك و امك التى لا نهاية لها . و لا تخطئي فهمى فأنا احبك حين تصمتين و لكنى احبك اكثر و اكثر حين تتحدثين .. اتكلمى الله يعمر بيتك انا مش حمل السكات ده

دعينى اعترف لكى بشيء اخر, اتتذكرين طقسى الغريب و نحن نمارس الحب. حينما اكون بين رجليك و وجهى مباشرة أمام الدير الواقع بين فخذيك المرمريان الذى اقوم انا فيه بدور الناسك الوحيد فيه , اتذكرين ذاك اليوم حين ظللت انفخ بين شفتيه و كأنى اعطيه قبلة الحياة وأنتى تضحكين و تسألينى ماذا أنا بفاعل. اقول لكى حبيبتى الان ماذا كنت أفعل كنت انفخ فيكى من روحى كما نفخ رب محمد فى جسد ادم الطينى و اذا بالحياة تدب في كل خلاياه. و انتى تحدثينى دائما - بصمت - كيف انك من الاموات الاحياء و كيف انك لا تحتاجين لكى تكونى على فراش الموت لتكونى بين الحياة و الموت فأنت الأن لستى على قيد الحياة حتى و الموت بعيد عنكى كل البعد و بصتيلى و قولتىلى" احا يا دينا أنا اتحشرت بين البِنين " . أنفخ و انفخ عسى ان انقل اليكى بعض الحياة منى اليكى و رغم فشل كل محاولاتى إلى الأن إلا انى لن أيأس و سأظل احاول. سأتى بكل ألوانى وألون كل رمادى روحك بالأخضر لون الخير و الأحمر لون الحياة و الفوشيا الفاقع لون .. هو مش لون حاجة فى دماغى بس أنا بحبه

خلاصة الأمر كل ما فى الأمر انى احبك و احب صمتك قبل كلامك و أفضل ان ابقى بقية حياتى صامتة معك على أن اثرثر مع أحد غيرك و لكنى أشتاق إليكى و إلى وجودك الفعلى بكل شئ فيكى.. حضورك دوما ناقص مبتور غير مكتمل .. أبتسامتك دائما بها شىء من الأسى .. أحيانا أشتاق إلى كلك ولا أجده .. أجد فقط اجزاء منك  .. أحاول قدر ما أحاول و لكننى لا أعلم ما أنا بصدده حتى أعالجه و لهذا تجدينى أحيانا أخلق مشاجرات من لا شىء فقط للحظات الصلح التى تشرفينى فيها بحضورك الكلى النادر. اود ان اسرد اكثر و احكى اكثر و لكن الساعة تشير إلى السابعة و النصف و عم عصام بتاع الباص هيجيلى 8 و خمسة و إنتى عارفة انه راجل ابن مرا مبيستناش حد

متسكتيش يا مي... سكوتك بيصدعنى

دينا
        

7 comments:

  1. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  2. breathtaking
    dizzying
    riveting
    daring

    at 23 Dina is charting for herself a place among the very talented and revolutionary of writers. The gender issues raised by her pieces are part and parcel of her involvement in the existential dilemmas of her personae, males and females, yet it is quite obvious she has leanings towards women. Every time i read her i get an intellectual orgasm.

    ReplyDelete
  3. "اتتذكرين طقسى الغريب و نحن نمارس الحب. حينما اكون بين رجليك و وجهى مباشرة أمام الدير الواقع بين فخذيك المرمريان الذى اقوم انا فيه بدور الناسك الوحيد فيه , اتذكرين ذاك اليوم حين ظللت انفخ بين شفتيه و كأنى اعطيه قبلة الحياة وأنتى تضحكين و تسألينى ماذا أنا بفاعل. اقول لكى حبيبتى الان ماذا كنت أفعل كنت انفخ فيكى من روحى كما نفخ رب محمد فى جسد ادم الطينى و اذا بالحياة تدب في كل خلاياه."

    عارفة الأحّا يا دينا؟ انتي مبدعة بكل ما تحمله كلمة الإبداع من معاني

    ReplyDelete
    Replies
    1. This means so much to me coming from you :)

      Delete
    2. ثم عرفت دلوقتي و أنا بقرا تدونة قديمة إنك أمل :))
      انتي مبدعة يا أمل :)

      Delete
    3. لأ أسمى دينا صح
      أمل دى بطلة كل كتاباتى عشان انا معنديش غير الأمل :)

      Delete
    4. أمل بتعيش كل اللى دينا مش قادرة تعيشه و دينا بتعيش من خلال أمل
      أصل عالم أمل مساحة الحرية فيه غير محدودة :)

      Delete