Friday 8 March 2013

عن شجرة

اليوم سأقص عليكم حكاية بنت صغيرة بقلب كبير , مشاعر بداخلها و هوس بالحياة و التجارب أكبر من أن يتحمله جسدها الهش وحده , فكانت هذه لعنتها فى الحياة لأنها أصبحت دائمة البحث على من يشاركها ما بداخلها و يحمله عنها , وقعت فى حب ولد صغير مثلها, حمل عنها أحلامها و أمالها و طموحاتها , و مع مرور الوقت أكتشفت أنه لم يساعدها فى حملهم فقط بل سرقهم منها و أستبدلهم بأحلامه هو و طموحاته هو فى ليلة ما و هى نائمة فى أحضانه غير متحصنة بحصون الإحتياط و الخوف , كان هو حصنها الوحيد و لذلك حين  قرر الرحيل عنها فى يوم ما , تركها عارية من دون أحلام و لا طموحات ولا أمان , علمت حينها أن عليها أن تبدأ فى البحث أحلامها مرة أخرى و عن نفسها التى فقدتها فى أحضانه و عليها أن تكون أقوى حتى تحمل أحلامها وحدها ولا تحتاج لأحدأً ما , عانت كثير فى رحلتها للبحث عنها , و كلما جلست لتستريح مر عليها عابر يقنعها أنه هنا ليساعدها فى البحث و لكنها تكتشف بعد فوات الأوان كل مرة أنه هنا ليسرق جزء ما منها. حتى جائها يوم ما عابر حاول يسرق كل ما هو جميل فيها و كان على وشك الفوز لولا أنها أستماتت فى الدفاع عن القليل المتبقى منها حتى رحل بعدما تركها مليئة بخدوش قررت هى أن تحتفظ بهم و لا تعالجهم كتذكار لغبائها مع البشر حتى لا تترك اي منهم يدخل حياتها مرة أخرى. أنغلقت على ذاتها و قررت أن تكتفى بنفسها , أستعادت طموحاتها و أحلامها شيئا فى شيئا و كبرت و تحولت من طفلة صغيرة عاجزة إلى إمرأة قوية لا يلفت نظرها أي أحد و تعرف كيف تدافع عن نفسها و أحلامها

فى يوم ما بينما كانت تهيم على وجهها فى إحدى الشوارع الجانبية لفت أنتباهها شجرة وحيدة تقف فى وسط أرض تدل اللافتة أنها ملك لورثة شخص ما , أقتربت من الشجرة قليلاً وجدتها على وشك الإنتهاء من فنجان قهوة سكر زيادة و هى تضع نظاراتها الطبية و تستأنف القراءة فى كتاب ما , لم تصدق عيناها و أعتقدت أنها فى حلم ما , كيف لشجرة أن تقرأ و تشرب القهوة  بل و ترتدى النظارات الطبية , و كأن أندهاشها لفت نظر الشجرة فتركت الكتاب جانبا و سألتها إن كانت تائهة , أندهشت البنت و عجزت عن الرد , أبتسمت الشجرة و طمأنتها ألا تخاف , و لكن البنت لم تكن خائفة , شيئاً ما فى هذه الشجرة المتكلمة كان يشد أنتباها و يسرق أنفاسها , أرتاحت البنت للشجرة و جلست بجانبها حتى الصباح تحكى لها عن كل هؤلاء الذين أرادوا أن يسرقوا أحلامها و نجحوا بالفعل فى سرقة أجزاء منها , حكت لها عن كل طموحاتها و عن كل ما تريده من الحياة و أستمعت لها الشجرة بكل إهتمام , و فى النهاية قامت البنت أحتضنتها و قالت لها : أنتى طيبة أوى , أنا أحب الشجر فأبتسمت الشجرة و قالت :  و أنا أحبك 

وخزت هذه الكلمة قلب البنت و ظلت طوال الليل تفكر فى الشجرة متعجبة كيف لها أن تقع فى غرام شجرة و ليس إنسان , فردت على نفسها : و ماذا فعل معك البشر سوى محاولة كسرك. و حتى لو لم يكن الرد مبرر مقنع للقوع فى غرام شجرة إلا أنها كانت فى منتصف الطريق و الرجوع لم يكن خيار. ظلت تتردد على الشجرة و تحكى لها عن كل أحلامها لهم سوياً , كانت تحكى لها كيف أنها تريد أن تأخذها لترى مطعمها المفضل و أن تحتضنها ليلا و هم يشاهدان فيلمها المفضل أو أن يذهبا للبحر ليلة ما ليحتسيا النبيذ و يقعا فى غيبوبة نوم لذيذة بعدما يقضيان أمسيتهما فى مشاهدة النجوم , و كان رد الشجرة واحد على كل شىء : أتمنى ذلك , و لكنى لا أستطيع لأنى شجرة , كانت تعلم البنت فى قرارة نفسها أن كل هذا لن يتحقق فعلاً لأنها شجرة و هذا لن يتغير , و لكن لم لا , و طرأت فكرة فى عقل البنت و قررت أن تعيد الحياة لهذه الشجرة حتى تستطيع أن تشاركها حياتها , قررت أن تساعدها أن تنخلع من جذورها التى تقيدها مكانها و تمنعها من أختبار الحياة بشكل فعلى , فى اليوم التالى ذهبت إلى عرافة و قصت عليها قصتها و أخبرتها العرافة أنها تستطيع أن تعطيها وصفة تعيد الشجرة للحياة و تدب فيها الروح و لكن عليها أن تتبرع بنصف روحها حتى تنجح الوصفة و لم تتردد البنت فى الموافقة . و ذهببت إلى الشجرة وجدتها منهمكة فى القراءة فأستبدلت قهوتها السوداء بكوب من الألوان به الوصفة السحرية حتى تتلون فروعها بألوان الربيع , و بينما كانت الشجرة تتفحص ألوانها الجديدة أستبدلت كتابها الذى تقرأ فيه دائما عن الموت , بكتاب يتحدث عن الحياة و الجمال , و بالفعل بدأت الوصفة فى النجاح و يوم بعد يوم بدأت الشجرة تتحول إلى بنت جميلة ذات أبتسامة من وسعها تستطيع أن ترى لثتها أحياناً , عيناها بنيتان كتذكار من ماضيها الذى كانت فيه شجرة , و بهما لمعة تحكى عن قصة حب ما , و عاشا سعيدان لفترة من الزمن , و لكن البنت خارت قواها و قدرة تحملها بعدما أعطت نصف روحها للشجرة , و زادت مطالبها لأنها الأن لا تستطيع أن تحمل طموحاتها وحدها ولا أن تحقق أحلامها وحدها , فأصبحت دائمة الإحتياج لنصفها الأخر المتمثل فى الشجرة , فبدأ النزاع و الخلاف , البنت تحتاج لحياة أكثر و مشاعرأكبر و الشجرة نصف روح أكثر من كافية بالنسبة إليها , و بدأت البنتان فى الخلاف وجرح إحداهما الأخرى و إلقاء عيوبهما فى وجه الأخر و ألقيا بعرض الحب و الذكريات عرض الحائط حتى ذلك اليوم المشئوم الذى قررت فيه البنت التى كانت شجرة أن تترك الأخرى و تمضى , لأنها لم تصبح شجرة بعد الأن و لن تتحمل أن يلقيها الناس بالحجارة بعد الأن لأنها تستطيع أن ترحل و تمضى فى طريقها , و بالفعل رحلت الشجرة بعدما أخذت نصف روح البنت و رحل معها النصف الأخر حزناُ عليها , و جلست البنت مكانها نادمة على محاولتها فى أن تحولها إلى بشر لأنها ربما إذا كانت تركتها كما كانت شجرة لم تكن ستقدر أن ترحل و تتركها , فجلست تبكى مكانها على أطلال الحنين , و أرتدت نظارتها و مسكت كتابها ربما تستعيد جزءا منها , و لكن مع الوقت تحولت هى إلى شجرة مكانها , عاجزة خالية من اى روح , و ضاع منها كل شىء سوى ذكرى من زمن بعيد عن شجرة أحبتها و كانت سعيدة معها , و تقضى أوقاتها الأن مكانها تقرأ من كتابها و تشرب فنجان قهوتها الأسود و أحيانا و هى تتذكرها تأخذ شهيقاً بعمق , ربما تكون الريح حملت نسمة من زفيرها إلى هنا, من مدينة نصر, أخر مكان سمعت أنها تعيش به الأن

No comments:

Post a Comment