Thursday 2 May 2013

لحظة

لم أتخيل يوماً أننى سأجد نفسى فى سرير شخص غريب عنى أراه لأول مرة فى حياتي, إستسلام تام بين ذراعي شخص غريب تماماً عنى و ربما يكون هذا سبب شعورى بالألفة تجاهه. صرت أخشى القريبين و أرتعب من القرب الزائد عن حده. أمقت التعود و الوعود التى أعلم جيداً الآن أنها لا توفى

 غرفة صغيرة بالكاد تتسع للسرير الذى أستلقيت فى أحضانه عليه فى صمت أستمع لصوته الخافت و هو يدندن مع الأغانى التى تلعب من راديو قريب و بأصابعه يعزف ألحانها فى المسافة بين رقبتي و كتفى ببراعة و أنا مستسلمة له تماماً و أكتفى بالتحديق فى سقف الحجرة الذى حفرت تفاصيله فى عقلى من كثر ما حدقت فيه., لمساته على جسدى حنونة و لم تخيفنى تماماً , فيشرد جسدى معها بينما يسرح عقلى فيما وصل إليه حالى, صرت أحتمى فى الغرباء من القريبين و خيبات الأمل المصاحبة لهم

أحببت غرفته و صغر حجمها رغم خوفى من الأماكن الصغيرة الذى يصل لحد الفوبيا فى أحيان كثيرة. و لكن الموسيقى و الضوء الخافت و أصابعه على جلدى أعطتنى شعوراً غريباً بالأمان و كأننى أختبىء من العالم عند شخص غريب لأنه سيكون أخر مكان يبحث عنى الحزن فيه. لوهلة بدا أن الوقت قد توقف فى هذه اللحظة, لحظة مليئة بالأمان و الجمال. و يكمن جمال اللحظة فى كم إنها لم تكن متوقعة , هكذا كنت أفكر بينما كان يعبث بخصلات شعري و هو يطبع بقبلات حانية على جبينى و وجنتي , آه كم أكره إنفصالى الدائم عن ذاتى هذا و تفككى إلى روح و جسد و عقل و قلب الذين نادراً ما تتفق آرائهم, فأصبحت جسد مستلقى فى أحضان هذا الغريب مستمتع بلمساته الحنونة التى أفتقدها بينما يبكى قلبى تلك القريبة التى لم و لن تقترب أبداً بالحد الكافى الذى يسمح لها رؤية كم أحببتها و كم كنت ممتلئة بها فحين رحلت تركتنى فارغة ضائعة من حالى و كلما ناديتنى يردد صدى فراغي كم أشتاق إلى قليلها الذي كان ولا زال أهم من كثير غيرها. و يعلو صوت نزاع جسدى مع قلبى فينتهى بى الأمر مشتتة فى البين البين الرمادى الذى أكرهه و لكنى لم أخرج منه منذ عرفتها , و كلما أستسلم جسدى له كلما حن قلبى إليها , يريده جسدي و يمقته و يمقتنى قلبى الذى لا يكف عن ضخ حبها فى شرايينى و تسميمي بحبها حتى أستسلمت لمرض حبها الذى أعلم أن نهايتى ستكون على يده

فى هذه اللحظة تملكتنى رغبة عارمة للبكاء , فأحتضنته بكل قوتى حتى أخفى دموعى و أتمالك نفسى التى تتداعى كلما أقترب منى أحدهم فما كان به إلا أنه أحتضنى و ظل يقبل راحة يداي و يدندن مقطوعات موتسارت فى أذنى كما تُكبِر الأم فى أذن إبنها حين يبكى, فهو لا يؤمن بالرب و لكنه مؤمن بالموسيقى و السعادة اللحظية و لإيمانى بأن الله محبة و جمال و موسيقى هدأت بعدما سمعت ألحان إحدى أنبيائه فى أذنى. وددت لو تركنى قلبى أن أستسلم للا شىء الجميل معه, ربما تُحل على يديه كل عقدى الجنسية و خوفى المرضى من ان يقترب منى أى أحد, فمن أفضل من هذا الغريب الحنون الذى يهمس بألحان موتسارت فى أذنى بينما يكتب مقطوعة جديدة بأصابعه الماهرة على جلدي و لكن شىء ما يمسكنى دائماً و يمنعنى من ترك جسدي الذى طمع فيه الكثيرون بين يدي هذا الغريب ليجرده من مخاوفه واحد تلو الأخر , ليمحو تلك الآثار التى تركها هؤلاء القريبين الذين لم يروا الروح التى تختبىء فى هذا الجسد المتوسط الجمال , يدور هذا الحوار بين روحي و قلبى بينما يشعر جسدى بأنفاسه الدافئة على رقبتى متجهة نحو شفتاي , إزداد معدل تنفسى و لا أعلم إن كانت عيناى تجوب الغرفة أم الغرفة التى تجوب بي, يزداد إدراك حواسى من حولى, فتخترق رائحة عطره أنفى و أشعر بمسام جلدى تتشبع بها, بينما تنتبه أذنى إلى صوت كاميليا جبران تشدر بصوتها الأكثر من رائع

هذه اللحظة عندى ما لها قبل و بعد
لم يعد للزمن المحدود عندى أى معنى
قد تلاشى الأمس أصداءً و ظلاً
و الغد المجهول يمتد بعيداً
ليس يُجلى

فأبتسمت أنا و قلبى فى نفس الوقت شاكرين الصدفة البحتة على هذه اللحظة المليئة بالحب الغير معرف و الشعور اللحظى بالأمان فى أحضان هذا الغريب , طبعت قبلة سريعة على شفتاه لتخبره عنى كم أنا ممتنة على هذه اللحظات القليلة التى أختبأت فيه من عالمى و لملمت أشيائي و خرجت من مخبأه إلى عالمى الغير حنون الغير آمن و لكن بداخلى زادت لحظة سعادة و لحظة أمان سيجعلونى أتحمل لحظة خيبة أمل أخرى و لحظة إنكسار أخرى. و نزلت على درج المبنى الذى يقطن فيه هذا الغريب القريب و أنا أردد, طوبى للغرباء الذين ينقذونا من خيبات أملنا التى سببها أقرب الأقربون, طوبى للغرباء الذين ينقذونا من خيبات أملنا التى سببها أقرب الأقربون 

2 comments: